المطريه وبحيرة المنزله

"

"




3/3/2010

كتبه : محمد برايا
فى بلدى المطرية كان الشوق يتراقص فى قلوبنا ونحن فى المدرسة الابتدائية حين تقترب الإجازة الصيفية ، لكى نذهب مع الوالد - حفظه الله - فى المركب الشراعى ، لنشاهد ذلك العالم الغامض والبحيرات الواسعة التى لانهاية لها ...

ملاحظة : الكلام عن بحيرة المنزلة وكان هذا منذ ثلاثين سنة ...

كنت أقول فى نفسى وقتها : ماذا خلف هذه البحار ؟ وهل هناك أحد يعيش هناك ؟ وهل هناك شاطىء تنتهى عنده هذه المياه ؟ ذهبت إلى كل بقعة فى هذه البحيرة ليس هناك مكان لم أذهب إليه ، كانت البحيرة مترامية الأطراف ، واسعة جدا ...

كانت الشمس تشرق من قلب الماء وحين تغرب تذوب فى أعماق البحر ، كان مشهدا مهيبا ورائعا تمتزج فيه مشاعر الحنين والسكينة والحزن والروعة والأمل ...

ولما كبرنا كبر معنا هذا الإحساس لكن للأسف صغرت البحيرة وصغرت وضاقت بأهلها على أهلها حتى باتت تلك الذكريات وهما وصارت سرابا .

بحيرة المنزلة كانت مساحتها تقترب من مليون فدان أيبست ( أى أصبحت يابسة ) تسعة أعشارها نتيجة : المشاريع الحكومية الضخمة كمشروع ترعة السلام والطريق الدائرى ومشروع ترعة بحر البقر ...

ثم بسبب طمع المحافظات فى استغلال أطراف البحيرة المشرفة عليها لإنشاء مناطق استثمارية زراعية وصناعية كما حدث فى جنوب بورسعيد وشرق دمياط وشمال الحسينية ..

وطبعا لن يقف أصحاب القوة والنفوذ والمنفعة والبلطجة من الأربع محافظات التى تطل عليها البحيرة ، بدون حصة كبيرة فقاموا الصغار منهم والكبار بالطريقة الناعمة والخشنة فى تجفيف مساحات كبيرة من البحيرة على مدى عدة عقود من الزمان ...

ولا ننسى العوامل الطبيعية والغير طبيعية التى تسببت فى طمى البحيرة وطمسها حتى ارتفعت أرضيتها وبالتالى قل ماؤها وضعف إنتاجها ، ولم توجد من الوسائل الجدية ما يتناسب ومواجهة هذه العوامل أو علاجها ...
المهم أن كعكة البحيرة تقاسمتها الأطماع الفردية والجماعية والحكومية وعوامل الزمن لأنها تركة ليس لها وارث وعزبة ليس لها من يحميها . فالحكومات المتتابعة منذ سنة 1981 لم يكن لديها الإرادة السياسية الحقيقية لمعالجة مشكلات البحيرة وبالتالى لم تشرع تلك الحكومات فى وضع خطط لا طويلة الأمد ولا قصيرة لمواجهة تحديات تلك البقعة من الوطن ، ولو أنها فعلت لما بلغ الأمر ذلك المدى.

وحتى الآن فالكلام على افتراض حسن الظن ، لكننا لو طرحنا المشكلة على الطريقة الصعبة وهى سوء الظن فى أى شىء فهناك نظرة أخرى عن تعمد وقصد البعض أن تندثر البحيرة أو معظمها ليقوم مكانها بعض المشروعات والإنشاءات التى تخدم فئة رجال الأعمال والمستثمرين وكبار الشخصيات ولا يهم ما يحدث لمن يتعيشون من هذه البحيرة ما دام الأمر فيه غنيمة كبرى ...

ومع أننى لا أميل إلى هذا الرأى كل الميل إلا أن الذى يحدث على أرض الواقع لا يخرج عن هذا التحليل ...

فالأراضى المجففة من البحيرة ليست بعيدة عن العمران والعمالة الرخيصة والماء والطرق والخدمات وهى أحلام كل مستثمر ، وهى أفضل من أن يذهب إلى سيناء أو الواحات أو توشكى ، فأى مشروع فيها سيوفر الملايين وربما المليارات التى تنفق على مشاريع أمثالها فى الصحراء .

وبنظرة سريعة إلى حجم التوسع الذى قامت به الأربع محافظات على حساب بحيرة المنزلة سنجد أن الأمر شبه متعمد .

... وبعد ... فالصورة الآن أن تعديات الدولة والأفراد أقيم عليها العديد من المشروعات والاستثمارات وفى الوقت نفسه تسببت فى ضرر بالغ بالذين امتهنوا حرفة الصيد فى بحيرة المنزلة ، وهجروا بيوتهم وتركوا أولادهم وديارهم ليمارسوا الصيد فى موانىء بورسعيد والسويس ودمياط والاسكندرية ومنهم من ذهب إلى ليبيا واليونان والخليج العربى وشواطىء إفريقيا ...

هل سيأتى يوم يطالب فيه الصيادون بتعويضات ممن تسبب فى تضييق البحيرة عليهم حتى ألجأهم إلى الهجرة ؟

ومن لم يهاجر يعيش مرارة الفقر والحرمان ... وحتى يحين ذلك فالبحيرة الآن ينعم بها المسثمرون ورجال الأعمال وأصحابها كتب عليهم التيه فى أودية الأرض وشعابها